البحث العلمي لطلبة البكالوريوس ومن في حكمهم (فوائد وعوائق من تجربة)

خلال قرائتي لتدوينة في مدونة منظمة ACM بعنوان (The Benefits of Working on Research As An Undergraduate Student) (بالمناسبة التدوينة قديمة نوعا ما فهي من عام 2014م).

ذكرت التدوينة ثلاثة أهم فوائد لانخراط طالب(ة) البكالوريوس في البحث العلمي وتتمثل في التالي:

  1. تساعدك في اختراع مستقبلك.
  2. تحسن مهاراتك التقنية.
  3. تزيد حظوظك في تقدمك المهني.

ولكن قد يقول البعض أن هذه الفوائد تنفع فقط للطلاب في الدول الاجنبية لوجود فرص مختلفة لهم بعد التخرج، في المقابل تقل أهميتها هنا خاصة في بعض البلدان العربية. فما الفائدة من العمل في البحث العلمي قبل التخرج؟

حسناً!! بعيداً عن نقل تجارب أجنبية، سأذكر لكم تجربتي في مجال البحث العلمي مع طالباتي وأيضا من خلال برنامج (الباحثات الواعدات) والتي تطرحه مجموعتنا البحثية سنوياً.

فمن نافلة القول، أستطيع الحكم على تجربة البحث العلمي مع طالبات البكالوريوس بالنجاح (ولله الحمد والمنة)، فقد استطاع برنامج الباحثات الواعدات خلال السنوات الثلاث الماضية من جذب عدد تجاوز الخمسين ما بين خريجة حديثة وطالبة بكالوريوس للتقدم للبرنامج، بعدها تم فرز المتقدمات بعناية بناء على السيرة الذاتية والنشاطات السابقة والمقابلة الشخصية، مما أبقى لدينا ما بين باحثة إلى ثلاث كحد أقصى في البرنامج الواحد.

ففي هذا البرنامج تتعلم الطالبة مهارات عدة -في بيئة واقعية- منها: تعلم لغات برمجية جديدة وتجربة بيئات تطوير مختلفة وممارسة منهجية البحث العلمي والتحليل والكتابة  والمشاركة في المؤتمرات، كل ذلك في بيئة مغايرة للجو الأكاديمي المعتاد والذي لم يكن متوفرا خلال الدراسة الجامعية، فتخرج الطالبة من البرنامج وقد أصبحت خبيرة بلغة أو أكثر وأحيانا لديها نشر علمي أو تطبيق يتم استخدامه.

لكن في المقابل، يعتري هذا البرنامج بعض المنغصات التي تؤثر في استمرارية الطالبة فيه منها:

  1. عدم جدية الطالبة وتحملها وحماسها ومبادرتها بدفع عجلة البحث، فالمبادرة أساس النجاح.
  2. حصول الطالبة على وظيفة أو المرور بظرف اجتماعي أو انشغالها بالدراسة مما يعيق مواصلتها للبرنامج.
  3. قصور في التواصل الفعال والدوري مع المشرفة على البحث (بالعامية “تسحب عليك”) (ما يحيلنا لنقطة رقم 1).

وعلى الرغم من وجود مثل هذه المنغصات “الطبيعية في نظري” إلا أنها أعطتني الخبرة والجلد وطول النفس للتأقلم معها وتجاوزها، ففي الأخير التدريب على البحث العلمي ما هو إلا أحد الطرق التي نسلكها لخدمة بناتنا ونقل خبراتنا لهن، والمحظوظة من تسنح لها الفرصة بالاستفادة من هذه التجربة!! فالخبرة تشترى!

ونصيحة قبل الختام، على قدر ما تقدمين (أو لنقل تستثمرين) في البحث العلمي سيعطيك في المقابل فوائد جمة لا يمكن حصرها عاجلاً أو آجلاً، فهناك طالبات استفدن من البحث العلمي ليس فقط من ناحية زيادة في معارفهن العلمية والتقنية وكسب الخبرة (في الأسفل عرض لمرئيات أحد المنخرطات بالبرنامج) ولكن أيضا من ناحية فتح فرص وظيفية لهن سواء كان في القطاع البحثي أو الخاص، فشبكة معارفنا وتوصياتنا تلعب دور في ذلك.

ختاماً، حينما أتوسم بطالبة الرغبة والحماس في البحث العلمي (أي تري في نفسها خيرا) وتتقدم بطلب العمل في بحث علمي ما يتقاطع مع مجالات اهتمامي فإنني أبذل كل ما لدي للنهوض بها وإرشادها والشد على يدها وتشجيعها لتشق هذا العالم الممتع! فمثل هذه النماذج من الطالبات الحريصات على خوض مجال البحث العلمي هو استثمار ناجح لبناء الجيل القادم من كفاءات الوطن!


نموذج لمرئيات أحد الملتحقات في البرنامج

السجل البحثي والترقية الأكاديمية

Myresearch-profile

مع اعتمادنا الكلي على المحتوى الموجود في الويب، أصبحت الويب الآن قبلة الباحثين لمعرفة معلومات عن أي شخص سواء كانت لأسباب إجتماعية أو تعليمية أو بحثية. فما تنشره من محتوى سواء كان في المنتديات أو المدونات أو مواقع التوصل الاجتماعي وحتى الملفات التي ترفعها للنشر جميعها تشكل هويتك وبصمتك الرقمية على الويب. وما السجل البحثي إلا أحد أشكال هذه البصمة.

السجل البحثي بتعريف بسيط هو صفحة ويب تضع فيها أعمالك التي أنجزتها خلال مدة عملك الأكاديمي مع التركيز على الأوراق المنشورة في المؤتمرات والمجلات، هذه الصفحة قد تكون صفحتك في الموقع الإلكتروني للجامعة أو المركز البحثي الذي تعمل به أو قد تكون سجلك في محركات البحث العلمية مثل باحث قوقل العلمي وسكوبس، وطبعا الفرق بين السجلين أن الأول سيتم بناءه يدويا من قبلك وتحديثها دوريا أيضا يدويا بينما الثاني فتبنيها لك محركات البحث المتخصصة آليا وتحدثها دوريا من دون تدخل منك فهي لا تجامل، مما يوفر عليك الكثير من الجهد والوقت.

وعودة لعنوان التدوينة، سأذكر لكم تجربتي الشخصية في الترقية الأكاديمية لدرجة أستاذ (برفيسور) وكيف أن السجل البحثي خدمني وساعد في إعطاء تصور إيجابي عن أعمالي البحثية للمحكمين. فعند استلامي لتقارير المحكمين لملف الترقية لفت انتباهي أن جميعهم لم يكتفوا فقط بالأبحاث المرسلة مع الملف بل قاموا بالبحث عن سجلاتي البحثية ومنها ملفي في قوقل العلمي. وقد ركز المحكمين على نقطتين هامتين في سجلي البحثي وهما: معامل (h-index) وعدد الاستشهادات (Citation)، بالإضافة إلى منافذ النشر. واستفادوا من المعلومات المشاعة للعموم في سجلي البحثي لرصد تطوري البحثي خلال السنوات والمجالات التي عملت بها.

لذا، النصيحة التي أرغب بإيصالها لكل باحث أو أكاديمي هو المسارعة بعمل سجل بحثي في المنافذ المعروفة مثل قوقل العلمي وسكوبس وأوركد وغيرها تعمل على رصد أعمالك وجهودك البحثية خلال السنوات وتكون لك مرآة لنشاطك وعملك في مجالك. و للاستزادة حول الموضوع يمكن الاطلاع على محتوى كتيب ورشة السجل البحثي والذي قدمته خلال الأعوام السابقة.

بين المدرسة الصيفية للبرمجة وورشة قوقل للتعليم العام: قصص من الزمن الجميل

منذ انخراطي في السلك الأكاديمي وتدرجي فيه كمعيدة ثم محاضرة ثم دكتوره إزداد تمسكي بمبدأ أن الفعل دائما أبلغ من القول لقوله تعالى “فأما الزبد فيذهب جفاء وأما ما ينفع الناس فيمكث في الأرض”. ولعلي أعود بالزمن للوراء وتحديداً حينما تحصلت على الماجستير وبدأت أمارس عملي كمحاضر وأعطي مواد كاملة بنفسي (بدون وصاية من أحد) فأصبح مفاتيح الحل والربط في المادة بيدي، وأصبح من السهل إثراء المادة العلمية وضخها بأفكار جديدة تعطي بعداً آخر للمادة وتحييها.

ففي أول مادة درستها والتي تتناول بيئة الحاسبات، قمت بطرح نشاط إثرائي عبارة عن معرض لتدوير مخلفات الحاسب وقطع الأجهزة وتحويلها لأشكال فنية (1)، الفكرة ليست جديدة ولكنها خارجة عن المألوف وتم تنفيذها عملياً على أرض الواقع وبأيدي الطالبات، بعد هذا المعرض وجدت أصداءها قد تعدت حدود الجامعة وتم تطبيقها في جامعات شقيقة  (1*). أيضا في السنة الثانية لتدريسي نفس المادة أقمت معرض لأجهزة الحاسب المعدلة (1**)، بحيث تقوم الطالبات ببناء جهاز حاسب آلي من الصفر ولكن بهياكل غريبة 🙂

وفي مادة أخرى وهي مادة التعليم بالحاسبات، فضلت أن يكون للمادة أثر نافع ليس فقط على الطالبات أنفسهن ولكن أيضا على مجتمعهن، وأذكر حينها أنني تواصلت مع شركة الدوالج التعليمية لتزويدي ببرامجهم لتقوم الطالبات بنقدها وتحليلها وأيضا طلبت منهم دعم مسابقة أفضل برنامج تعليمي تحت مسابقة الدوالج للبرامج التعليمية لعامين على التوالي (2) و(3).

وبعد عودتي من الدكتوراه نهاية عام 2007م، بدأت تتشكل لدي توجهات أخرى في مثل هذه الأنشطة الإثرائية، فلم يعد الأمر مقصوراً على الدائرة الجامعية بل بدأت أفكر بتوسعة هذه الدائرة لتشمل المجتمع، فاستهللت أولى نشاطاتي بعد الدكتوراه مع مادة نظم التشغيل، وقيام الطالبات بترجمة الكتاب المقرر للغة العربية ليستفيد منه الجميع (4).

أما في السنة التي تلتها فقد قمت بتدريس مادة هندسة تطبيقات الشبكة العنكبوتية وطرحت فكرة أول مؤتمر طلابي نهاية عام 2008 بداية 2009م اسميته مؤتمر تقنيات واتجاهات الويب الحديثة (4*) … كان هذا المؤتمر الطلابي نقطة تحول لكثير من طالبات المادة ونظرتهم للبحث العلمي (5)… والغريب أن بعدها بسنة قامت وزارة التعليم العالي بتدشين المؤتمر الطلابي الأول، فهل هذه صدفة  🙂

وفي السنة التي بعدها (2010م) وفي نفس المادة، طرحت فكرة نشاط للطالبات للقيام ببناء مواقع إلكترونية لعدد من الجهات غير الربحية (6).

الجميل أن سقف تطلعاتي لم يتوقف عند هذا الحد (ولله الحمد)، ففي عام 2011م  بدأت مساراً جديداً من النشاطات لزيادة رقعة فائدتها على المجتمع، حين تقدمت على منحة قوقل عام 2011م (CS4HS) للقيام بورشة إثرائية تخصصية لمعلمات الحاسب في التعليم العام وذلك  لإيماني بأن التغيير يبدأ من المعلم، وقد وفقت ولله الحمد بالحصول على المنحة لذلك العام (7)  وللأعوام التي تليها  2012م و 2014م و 2015م.

أما في عام 2013م فقد كانت هناك نقطة تحول جديدة في مسيرة نفع المجتمع، حينما تم ترشيحي لرئاسة الفرع النسائي بجمعية الحاسبات السعودية.  كنت أفكر لحظتها بعمل صغير دائم يحدث تأثير في ثقافة المجتمع، فوقع الاختيار على تبني مدرسة صيفية لتعليم الفتيات البرمجة تقام سنوياً. ولن أنسى ذلك اليوم الذي اجتمعت فيه أنا وزميلاتي في مجموعة إيوان بعد أن قمنا بجمع أكثر من 200 ورقة بحثية لمناقشة ما توصل إليه الآخرون من تجارب في إقامة مثل هذه الورش والمخيمات البرمجية للناشئة والاستفادة منها في صياغة أهداف المدرسة وما يمكن أن نقدم فيها.

كانت فكرة إقامة مدرسة صيفية لتعليم الفتيات البرمجة تحدياً كبيراً بالنسبة لنا، خصوصاً أننا لا نعلم مدى تقبل المجتمع لمثل هذه الفكرة، ولكن ولله الحمد والمنة انطلقت المدرسة في سنتيها الأولى بكل نجاح.

قرابة خمسة عشرة عام مضت وقفت فيها على بعض المحطات التي تذكرتها وأثارت شجوني بعد أن انهينا في الاسبوعين الماضيين المدرسة الصيفية الثالثة للبرمجة وأيضا ورشة قوقل الثانية لمعلمات الحاسب في التعليم العام.

في الواقع، هي صفحة أخرى من صفحات حياتي والتي أسأل الله أن ينفع بما قدم، فشريط الذكريات السابق يؤكد لي بأننا قادرون بإذن الله على نفع مجتمعنا وترك الأثر!!.

 

مصادر:

(1)     طالبات الحاسب يحافظن على البيئة من خلال معرض “مخلفات الحاسب”
http://www.alriyadh.com/Contents/03-05-2003/RiyadhNet/News_1900.php

(1*) معرض الحاسب بين الأمس واليوم الأول من نوعه على مستوى كليات الحاسب للبنات
http://www.alriyadh.com/68128

(1**) الأول من نوعه في المملكة : معرض فني لهياكل الكمبيوتر الغريبة والمعدلة
http://www.alriyadh.com/Contents/12-01-2004/RiyadhNet/News_2690.php

(2) طالبات مادة التعليم بالحاسبات يتنافسن للحصول على درع التميز من شركة الدوالج للتقنية
http://www.alriyadh.com/Contents/27-01-2003/RiyadhNet/News_1589.php

(3)  للسنة الثانية على التوالي : مسابقة (أفضل برنامج تعليمي) برعاية الدوالج للتقنية
http://www.alriyadh.com/Contents/20-01-2004/RiyadhNet/News_2712.php

(4) عرض لتجربة طالبات تقنية المعلومات في تأليف كتاب إلكتروني
http://www.alriyadh.com/325757

(4*)   مدونة وموقع مؤتمر WTT
https://webference.wordpress.com/

(5) طالبات جامعة الملك سعود يقمن مؤتمراً طلابياً عن تقنيات واتجاهات الويب الحديثة
http://www.alriyadh.com/407203

(6) إسهامات طالبات مادة هندسة تطبيقات الشبكة النسيجية للمجتمع
http://www.alriyadh.com/496000

(7) اختتام ورشة غوغل لعلوم الحاسب في التعليم العام في جامعة الملك سعود
http://www.alriyadh.com/667221